--------------------------------------------------------------------------------
بينما قفز سعر البترول إلي36 دولارا عام2004 وإلي50 دولارا عام2005, وبلغ62 دولارا في المتوسط خلال2006, فإنه أخذ في الانحدار خلال الأسابيع الأخيرة ليتراوح حول55 دولارا في الوقت الحاضر, مما دعا أوبك إلي تبني فكرة خفض الإنتاج للحيلولة دون مواصلة الانخفاض. وإذ تقدر الاستثمارات اللازمة لتوسيع طاقة إنتاج البترول والغاز في الشرق الأوسط علي مدي ربع القرن المقبل بنحو750 مليار دولار(500 مليار للبترول و250 مليارا للغاز), وذلك لكي تواكب الزيادة المطردة في الطلب العالمي والذي يتوقع أن يرتفع بالنسبة للبترول من نحو85 مليون ب/ي إلي125 مليون ب/ي بحلول2030, فما السعر الذي يحقق تلك الغاية؟ وكيف يمكن تعويض الدول المصدرة للبترول عن النضوب النهائي لتلك الثروة الطبيعية, مع توفير عائد مجز يشجع الشركات الباحثة عن البترول علي التوسع في استثماراته؟ إن السعر الذي يمكن أن يحقق حلا عادلا ومتوازنا للمعادلة الصعبة التي تأخذ في اعتبارها مصالح الأطراف الثلاثة المتعاملة في السوق العالمية للبترول( المصدر والمستورد والشركة الوسيطة), يمكن أن يتحدد باستخدام ثلاثة مبادئ سبق اعتمادها في اتفاقات بترولية عالمية هي:
(1) اتفاقية طهران التي أبرمت بين أوبك وشركات البترول العالمية في مستهل1971 وأقرت مبدأ ارتفاع الأسعار بمعدل2.5% سنويا لمواجهة التضخم, كما أقرت مبدأ زيادة5 سنتات سنويا كعلاوة خاصة, باعتبار البترول سلعة ناضبة يتسارع نضوبها بازدياد الطلب عليها مما يجعلها تستحق هذه العلاوة, وكانت السنتات الخمس في ذلك الوقت تعادل2.5% من سعر البترول الذي كان يتراوح حول دولارين للبرميل, وبذلك يصبح معدل الزيارة السنوية التي اعتمدتها اتفاقية طهران نحو5% ومع أن اتفاقية طهران لم تعد سارية إلا أن مبدأ الزيارة السنوية لمواجهة التضخم ونمو الطلب علي البترول مازالا يصلحان أساسا لتدرج السعر حفاظا علي قيمته الحقيقية.
(2) اتفاقية جنيف الأولي المبرمة بين الشركات ودول أوبك وأقرت مبدأ تصحيح سعر البترول تبعا لما يطرأ علي قيمة الدولار ـ الذي يستخدم لتسعير البترول ـ من تغيرات في مواجهة عدد من العملات الرئيسية. وبمقتضاها زيدت الأسعار بنحو8.5% اعتبارا من20 يناير1972 عقب صدور قرار تعويم الدولار في15 أغسطس1971 وما تبعه من تخفيض قيمته رسميا في17 ديسمبر1971, فلما خفضت قيمة الدولار للمرة الثانية في12 فبراير1973 أبرمت اتفاقية جنيف الثانية في يونيو1973 حيث زيدت بمقتضاها الأسعار بنحو11.9% مع تصحيحها شهريا تبعا لتقلب العملات.
هذه هي المباديء التي ينبغي اعتمادها لتقدير معدل الزيادة السنوية لتدرج السعر الأسمي للبترول حفاظا علي قيمته الحقيقية. وحتي بافتراض أن تغيرات قيمة الدولار بالزيادة أو الانخفاض في مواجهة العملات الرئيسية الأخري يلغي بعضها البعض في المدي الطويل, فإن معدل الزيادة السنوية وفقا لمبدأي طهران لا يقل علي5% سنويا في المتوسط.
أما بالنسبة لسنة الأساس التي يتخذ السعر فيها كأساس لبداية التدرج فينبغي أن يراعي في اختيارها منطقية السعر وعدالته بالنسبة لأطراف السوق العالمية للبترول, وبخاصة الدول المصدرة للبترول التي هي دول نامية تعتمد علي مصدر واحد للدخل, بل هو مصدر طبيعي ناضب وغير متجدد, وفي تقديرنا أن السعر الذي تم تصحيحه في ظل حرب أكتوبر وهو11.65 دولار للبرميل ساري من أول1974 يعتبر سعرا عادلا ومنطقيا وصالحا لاتخاذه كأساس لبداية التدرج.
بذلك, ومن مقتضي إعمال المباديء الثلاثة لتقدير معدل الزيادة السنوية في السعر الأسمي( وهو5% سنويا علي أقل تقدير), علي مدي السنوات الثلاث والثلاثين الماضية, فإن السعر الأسمي لبرميل من سلة أوبك ينبغي ألا يقل الآن علي58 دولارا في ظل ظروف عادية, وهو مايعادل السعر الذي تم تصحيحه في ظل حرب أكتوبر وارتفع وقتها إلي11.65 دولار, أما في ظل ظروف جيوسياسية مضطربة, كما حدث باحتلال الولايات المتحدة للعراق, أو انقطاع رافد مهم من روافد الإنتاج كما يحدث من وقت لآخر, أو تقلص المخزون البترولي التجاري أو الاستراتيجي إلي مستوي حرج, وغير ذلك من عوامل اضطراب السوق العالمية للبترول, فإن السعر يمكن أن يقفز ارتفاعا إلي مستويات يصعب توقعها.
هذه هي المعادلة المنطقية والعادلة لتسعير البترول, ومن مقتضاها أن يتدرج السعر ارتفاعا خلال المستقبل تبعا لما تكشف عنه تطورات العوامل الثلاثة وهي: معدل التضخم, ومعدل النمو السنوي للطلب علي البترول, ثم تغيرات قيمة الدولار في مواجهة العملات الرئيسية التي أقرتها اتفاقيتا جنيف. ومن شأن استخدام تلك المعادلة في تسعير البترول أن يتحقق للشركات البترولية عائد مجز يشجعها علي التوسع في الاستثمارات وتوسيع القدرة الانتاجية لمواكبة النمو السريع في الطلب العالمي علي البترول دون أن يصدم المستهلكون بصدمات سعرية مفاجئة, ومن ناحية أخري فإن تلك المعادلة تضمن لأصحاب الثروة البترولية الناضبة الحصول علي نصيب معقول ومستقر من الريع البترولي الذي تقتنصه خزائن الدول الصناعية في صورة ضرائب تصل إلي أكثر من70% من السعر للمستهلك النهائي في الاتحاد الأوروبي